الجمعة، 26 يونيو 2009

أجـنّـة الـجـراح !!!



كان رنين انقطاع المكالمة هو الحد الفاصل لذبذبات صوتها لم تكن محادثة عاطفية بل كان جرح من العيار الثقيل أدمى أسلاك الهاتف قبل أن يدمي قلبه . .
ظل جاثم أمام ذلك الجهاز الأخرس وأنامله تمتد مراراً للتأكد من أنه يعمل فكر أن يرسم رقمها على جبين الهاتف ولكن هل ستجيبه ؟؟؟
وأن أجابته فبماذا سيهمس ! بإشتياقه لسماع صوتها لا فذاك لم يعد مشروع فسلّطة الشوق أضحت لغيره . . أم بجرحها الذي مازال ينتشر في خلايا جسده , ركل الهاتف بقوة وأسقط جسده على الأرض لقد نسي حتى كيف يحزن أخذ يجول ببصره في أنحاء الحجرة أربعة جدران صبغت باللون الأبيض مليئة بالرتابة والجمود , قطع الأثاث المتفرقة تذكّره بروحه بمساحاتها الخالية وتلك الساعة التي تعتلي أحد حيطانها وتحتوي عقاربها الثلاثة أي زمن ذلك الذي مازالت تتحدث عنه جريمة خطيئتها بأرقامها الأثنى عشر تحتضن الثواني الدقائق لتبتسم من خلفها للساعات تماماً كهي عبرت من خلاله لقلب أحدث حيث حفل زفافهم وحيث تأمره بالإبتعاد معلّلة ذلك بأن حبه خطئاً في حساباتها وأخطائها دائماً ماتوصلها للصواب . .

وفي لجة جرحه نهض ململماً مابقي من شظاياه المتناثرة فوق السجادة المستديرة التي توسطت أرض الحجرة
كانت أنفاسه متقطعة والبرودة تسري في أطرافه توجه إلى فراشه ليدس جسده تحت أغطيته ولكن أي نوم ذلك الذي سيمطر أجفانه ودماء جرحه تلطخ أضلعه شعر أن حمى فراقها تنخر عظامه وأن ذاك الورم الذي زرعته في مسمعه يتفشى في أعضاءه . . وأخيراً ألقى بنفسه على مقعد مكتبه , عبثاً وبيدان مرتعشتان أخذ يبحث عن ورقة بيضاء فارغة ليحشوها بألمه وقبل أن يرحل القلم معها في عناق طويل أخذ يتأملها ويتذكر تلك العبارات التي كان كثيراً مايكررها على نقاء أنوثتها كان يهمس لها :
(( بأنها كالورقة البيضاء يخشى أن يشوهها بحبر جراحه)) ومايكون منها ألا أن تصدر ضحكات متتالية تزيدها
جمالاً وتزيد من أسرافه فالحب هزّ رأسه وكأنه يحاول إيقاظ ذاته من غمرة الذكريات ضمّ قلمه بين أنامله بقوة ليسكب آهاته مبتدأها بحبيبتي . . . توقف عن الكتابة متسائلاً امازالت حبيبتي ؟؟؟ ماهذا الضعف الذي يلبسني أتخبط كمن به مس من الجنون ماجزاء من يمارس معي لعبة
الخيانة ؟
من يصافح قلبي ليضحك على طيفي ؟ من ينبثق من رحم الخداع لأجله آلاف الأكاذيب ؟ من تبني على أنقاضي مدن الحب وتشرّع نوافذ الجراح ؟ يرتفع صوته في كلماته تلك لن أسمح لن أسمح ثم يصمت برهه ليكمل بصوت متهدج ((بل سأسمح أن أحبها فأنا أحبها)) لم تسعفه دمعاته حينها فمازالت تقف مشدوه بفاجعة جرحه لم تقوى حتى على تقبل العزاء على روحه أحاط رأسه بكلتا يديه محاولاً إعتصار مابقي من خلايا رأسه فالآخر ذاب لأجلها , محاولات بائسة . . مخاض من التفكير لم ينجب جملة واحدة قضى ليلته بين ركام حبها وماخلّفه من آثار وتثاقلت الأيام في سيرها تخللتها إتصالته العقيمة على أرقامها التي أبدلتها واحد تلو الآخر فلا يحتضن سمعه سوى ذلك الطنين الذي كاد يخرق رأسه , لم يتخلى عنه إياد صديقه المقرب فمنذ علمه بذلك بات لا يفارقه ليخرجه من طوفان بؤسه فلم يره قط بهذا الوهن . . أنه فارس المتيقظ ذو الطابع المرح حتى محاولاته الشعرية البسيطة كان يضحك منها ومعها عندما ترحل الوجوه وفي طور جرحه أزداد اعتناقه لملة الشعر كانت أول قصيدة يلقيها من نصيب إياد أمطره حينها بوابل من المديح وحثه على طرق أبواب الصحف لنشرها وكانت هذه هي الخطوة الأولى التي قادته إلى مسلسل الشهرة اعتلت صوره صفحات المجلات وبعض البرامج التلفزيونية سنوات من النجاح أوصلته لأولى أمسياته الشعرية أدّاها على أكمل وجه لتنتهي بحشد من الجماهير يلتف حوله ليطبع بعض التذكار على أوراقهم اجتذبته أحداهن بطرف ثيابه ألتفت ليجدها هي جرحه القديم بل رفات ذكراه كانت تقف بأبتهاج وثقة بالغة من أن ردة فعله ستبهر الحضور مد كفه لها وشرعت هي في ذلك ولكنه ألجمها بعبارته (( أعطني ورقتك )) أنهارت ملامح الفرح التي كانت تقفز حول محياها وتفقدت من حولها لتحصل على ورقة ناولها أحدهم فقدمتها له بأرتباك أجرى عليها عملية الكتابة وأعادها على عجل ليتحول لغيرها هالها مارأته مساحات فارغة وأكتفى في آخرها بتدوين توقيعه بأسم الشاعر فارس
هاهو يرحل تاركها تموج بين رؤؤس الحاضرين لتفاجأ في اليوم التالي بقصيدته المنشورة كان مطلعها :
(( جرحها أنجب شعراً يزرع الدنيا زهور )) .


ليست هناك تعليقات: